إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

فئة ظلمها الوطن

المكان ليبيا في احد المباني المطلة علي احد المدن الليبية العريقه والزمان اواخر فبراير 2011
لست بكاتب ولااجيد التعبير ولكن وجدت نفسي اتصور بعض المواقف لفئة من ابناء وطني اشعر انها ظلمت نتيجة لاسباب يضيق المجال عن ذكرها هنا رغم ما قدمته من تضحيات قد لايعرفها الكثيرون من ابناء وطني احاول ان انظر الي هذه الفئة من زاوية مغايرة  قد لاتعجب البعض ولكن هناك حقائق علينا القبول بها فالجيد والردي في كل الاماكن والطيب والخبيث كذلك  فالكون مبني علي المتناقضات سماء وارض بر وبحر صدق وكذب حق وباطل...الخ..........
فئة ظلمها الوطن  الاثنين 5/12/201
البرد شديد جدا في الخارج ..خذ معطف الصوف ..هكذا قال الجندي الذي كان  مناوب خارج المبني  لزميله بين ما كان يهم بالخروج لتولي فترة مناوبته   بين ما كان أربعة  جنود يغطون في نوم عميق مما يدل  علي شدة تعبهم  نتيجة للحياة القاسية التي يعيشونها وفي زاوية وضعت بها مدفأة كهربائية صغيرة جلس اثنان في مقتبل العمر يتبادلان أطراف الحديث  عن ذكريات طفولتهما  بينما جلس اكبر الجنود سنا وحيدا محدقا في السقف أحيانا مجيلا نظره فيمن حوله من الجنود مارا بنظره الي أكواب الشاي التي تبعثرت هنا وهناك بين فضلات السجائر  من جميع الماركات الردئيه  التي كانت تقدم لهم  كان المتكنتي وهذا اللقب الذي أطلقه عليه زملاؤه نتيجة لتصرفاته وقد طغي هذا اللقب علي اسمه الحقيقي حتي انه لم يعد يعرف إلا به بين أفراد وحدته  كان قد تخرج  قبل ثلاث سنوات برتبة ضابط صف عريف  بعد ان التحق بالثانوية العسكريه نتنيجة لعدم قدرته الاستمرار في الدراسه لرسوبه أكثر من مره لأسباب يضيق المجال لذكرها وان كان ولابد فنوجز بعضها  في الاتي:ضعف المنهج  والتغيير المستمر للمناهج.ضعف المدرسين .انتشار الفساد  .عدم الاستقرار .الارتجال في الخطط وغيرها كثير ......
كان يتمتم بجمل غير مفهومه تخرج منها بعض الكلمات الواضحه...غير معقول...الاطفال...لماذا...ما ذنبهم...كلمات وعبارات يستشف منها عدم رضاه عن ما يحصل  من أحداث وهو يحاول أقناع نفسه بها رغم عدم قدرته علي استيعاب ما يدور  حوله وما يقع من افعال
..ارتدي الجندي معطفه الصوفي بعد  تدثر ببعض الملابس القطنيه تحته وامتشق سلاحه والتفت لزميله قائلا في مرح ما رأيك  هل أبدو كجندي ألماني في سيبيريا 
رد زميله  في تهكم وهو يضحك بل تبدو كقائد الماني في شمال إفريقيا  هيا اذهب للحراسه وكن يقضا حتي لانؤخذ علي حين غرة من أمرنا  وضحك الاثنان بعد ان رد الجندي في تهكم حاضر سيدي ...وهرول خارجا  وهو يردد في مرح ناموا فان  ثعلب الصحراء رومل يحرسكم كان المرح يملا قلوب هؤلاء الجنود وكانوا يعتقدون أنهم يؤدون واجبهم تجاه الوطن
كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل بقليل وكانت السماء ملبدة بالغيوم وهي ترسل رذاذا  يزيد من برودة الجو يجعل قشعريرة تسري في جسدك رغم ما ترتديه من ملابس وتشعر كانك تقف داخل مجمد تزداد برودته كلما اطلت البقاء فيه
لم تمضي الا بضع دقائق حتي دخل الجندي مسرعا وهو يردد  اعتقد انهم قادمون  لقد رايت بعض الانوار من ناحية الشمال  اقسم انني سمعت صوت عربات ياتي من تلك الناحيه واشار بيده ونسي انه داخل المبني   ودل ذلك علي ارتباكه وصدق اقواله .
صاح المتكنتي انهض....انهض  العدو يقترب ...هب الجميع  وتدافعوا للخارج بدون معاطف الصوف  توزعوا كل اثنان او ثلاثة معا حول المبني كان البرد قارس تزداد البرودة كلما تاخر الليل ويخيم علي المكان نوع من الرهبة نتيجة للسكون  والصمت الذي ساد ومرت فترة طويلة من الترقب والحذار وفجاة صوت ارتطام قطعة من الحديد بالارض ...امسك بندقيتك لماذا تركتها تقع...كان احمد اصغر الجنود سنا يرتجف من البرد وقد سقطت بندقيته من يده ...رد قائلا لم اعد استطيع الامكساك بها اشعر ان يداي تجمدت او شلت من البرد ..ياللهول لم اعد استطيع تحريك اصابعي ...لماذا ي...ا...رب ...لماذا يا ..رب ردد العبارة في تضرع وبصوت فيه نبرة الم وحزن ورنة توسل ورجاء .....
تجمدت دمعة كانت  تاخذ طريقها علي صفحة خده وتوقفت محاذية لشفتيه  لم يستطع تحريك يده لمسحها فاخرج لسانه محاولا فتح طريق لها عبر صفحة خده ليسمح لها بالسقوط فقد شعر انها تزيد من برودة خده رغم حرارتها ولكنه فشل في محاولته فقد كانت شفتاه متجمدة ايضا مما اعاق  لسانه من فتح ممر لتلك الدمعة رغم جميع المحاولات ...
كان زميله ينظر اليه مشدوها ويري عجزه وكانه قراء افكاره  فرفع يده وبكم قميصه مسح دمعة الحزن  التي تركت اثرها خط يمتد من العين الي مكان وصولها وكانها ابت قبل ان ترحل الا ان تترك اثرها ليكون شاهد عن اخر ما قامت به عيناه في هذه الحياة ....وقال له وهو يحاول ان يبث الطانينة في نفسه ...شدة وتزول....شدة وتزول تمالك نفسك....تحمل انت رجل ..وكان الرجال خلقوا ليحملوا المآسي والالام ويختزنوا الحزن والاسي ....
كان احمد يصغي لصوت زميله في صمت وهو يغيب عن الوعي رويدا رويد لينتقل الي عالم اخر لايمت للواقع الذي يعيشه بصلة ....هاهي امه   تقف امامه تناوله معطفه قائلة {الدنيا برد البس كبوطك....حطيتلك فطورك في جيب الشنطه....سقد لايفوتك الطابور ...هيا سلم وليدي } حاضر يامي ...حاضر... كانت اخر كلماته حاول النهوض ...استجابة لصوت امه واللحاق بالطابور!!!...ولكنه سقط علي الارض ملتحقا بالطابور... بالطابور ولكن ليس طابور المدرسه بل طابور اخر انه الطابور الذي سنلتحق به جميعا شئنا ام ابينا ..صاح زميله احمد مات...احمد مات...
تقافز الجنود من اماكنهم غير مصدقين تقدم بعضهم وبامر من المكنتي تم نقله الي داخل المبني وهم في ذهول مما حدث ...كيف مات...غير معقول...مش ممكن...جثي المكنتي بجانب احمد وهو ممدد وجس نبضه وبخبرته البسيطه ترك يد احمد تسقط علي الارض وقال لقد مات احمد....نعم مات ايها الرفاق...رحمه الله لم تتحقق أي امنية من امانيه في هذه الحياة ...رحمة الله
اغرورقت اعين الجميع  فاحمد كان اصغرهم سنا  واكثرهم حركة ونشاط لايمل العمل كثير المزاح محبوب من الجميع لاتفارق الابتسامة محياه امنياته  بسيطة جدا تتمثل في ان يسمع كلمات مثل ياوليدي من امه وكلمة خالي من ابنا شقيقاته وكلمة عمي من ابن شقيقه الاكبر نعم امنيته ان يسمع تلك الكلمات وتكون صادرة من صوة صادق وباحساس حقيقي وكان زملاؤه يعرفون ذلك فكانوا علي  سبيل المزاح ينادونه احيانا بي وليد او خالي او عمي او بوي  وكان يضحك مل شدقيه وهو يسمع من يكبره بسنوات يتاديه يا بوي ويقول  {كله باهي ألا بو اصغر من ابنه متجيش ...وكلمة وليدي ماهيش حلوه الا من فم الام...العم والخال مقبوله  }
كانت الشمس ارسلت بخيوط اشعتها الي السماء رغم ما يكتنف الجو من برودة وما يتخلله من شبورات مائية تعمل علي تعتيم الرويا  وتحد من امتداد النظر الي البعيد حيث تقبع مدينة ....قيل لهم انه تم احتلالها من قبل الأجنبي  واستولي عليها الأعداء والعصابات ألمسلحه
اقتربت الساعة من التاسعة صباحا عندما شوهدت سيارة الضابط المسؤل متجهة نحوهم حيث لم يكن لديهم وسيلة نقل فقد تم سحب وسائل النقل منهم بحجة انهم سيهربون اذا تركت لهم وسيلة نقل ولم تمضي الا بضع دقائق حتي وصل الضابط المسؤل وترجل من السيارة  وسال هل هناك أي  شئ جديد  رد المتكنتي لاجديد سيدي سوي وفاة الجندي احمد نتيجة للبرد الشديد !!!
القي الضابط نظرة علي الجثة المسجاة داخل المبني وطلب بهاتفه سيارة من المستشفي لنقلها وطلب منهم تسليمها للسائق الذي سيحضر بعد قليل وغادر المكان علي عجل فقد كانت هناك أصوات مدافع تأتي من بعيد دليلا علي ان هناك معارك تدور رحاها ألان ولم يدر بخلد احد من الجنود ان المعارك تدور بين الأخ وأخيه والأب وابنه والعم وابن أخيه والخال وأبناء أخته والصديق وصديقه
كان  الحزن يخيم علي وجوه الجميع لفقدانهم لرفيقهم بهذه السرعة وفي هذه الضروف العصيبه ولكن هذا لم ينسيهم واجبهم الذي يعتبر مقدس في نضرهم لانهم يدافعون عن الوطن والارض والعرض وكان واجبهم منع تقدم المسلحين الاجانب من هذا الاتجاه حتي لاتقع بقية القوات في فخ وتتعرض للحصار من المجموعات المسلحه التي تتكون من الاجانب والعصابات والمرتزقه  والمتشددين الاسلاميين من اتباع القاعده والحركات الدينيه التكفيريه حسب ما تم ابلاغهم به  من قبل قادتهم وقيل لهم ان هؤلاء يريدون الاستيلاء علي الحكم وثروات البلاد والسيطرة علي خيراتها والتحكم في اهلها وقتل سكانها فقد كانت النشرات تعمم عليهم تحمل مثل هذه الادعاءت مستغلة انقطاعهم عن اخبار العالم ومتابعة القنوات الاعلامية الحرة سواء بمنعهم من متابعتها او عدم وجود وقت لديهم لذلك
مرت ساعات قبل وصول الاسيارة التي ستقل جثمان احمد ليلتحق بالطابور حسب وصية امه ولكن ليس الطابور الذي تعنيه
للقصة بقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق