حكاوي "
بنينه" ( 13)
" التجييش ...والدعوكي"
لم يمضي بعد حتى
أسبوع على التحاقي بقاعدة " السارة"، وها هي الأحداث تتعاقب لأجد نفسي
مشبوه او أضمر عداء لليبيا او بالأصح " النظام"، والغريب في الامر من
حيث لا ادري... زيارة العقيد " محمد العباس" أسعدتني من جانب ولكنها
أيضاً زرعت شيء من " الخوف" في داخلي، منذ الآن يجب عليّ التحوط وأخذ
المزيد من الحذر في الكلام والتعامل مع الأحداث، ولكن ما العمل اذا كان القدر
يسوقك الى هذه المصائب؟!!
قبل ذلك اليوم كان
الشعور بالخوف بعيدا عني، ولا يتعدى احساس طفيف ينتابني قبل الدخول في امتحان
دراسي او التعرض لخطر حقيقي محدق عند قيادة السيارة بسرعة في طريق منعرجة مثلا،
اضافة الى خوفي الأبدي من ان اعمل ما يغضب " الله" او " والدي
ووالدتي. عدا ذلك فكنت " طائر
حر" او هكذا بدا ليّ، أدرك مكامن الخطر واعرف حدود المعقول، ولا اتعداها...
في ليبيا تلك الفترة هناك " مقتلتين" لن يفيدك فيهما توسلات قريب او
حبيب مهما علا شأنه او كبر مقداره، وهما " القايد" و " ثورة
الفاتح"، فلا يمكنك ان تصرح بأنك لا تحب " القايد" علانية او ان
تكون عدوا
" لثورة"
الفاتح.....بالطبع في سرك لك مطلق الحرية بشرط ان لا يستطيعوا يدركوا ذلك بأي
طريقة من الطرق؟!..
كنت اعمل بقاعدة " ما تدير شي، ما ايجيك شي"، وهي صحيحة بشكل كبير في ليبيا، او " ابعد عن الشر وغني له"، مع احتفاظي بعلاقته طيبة مع مختلف شرائح المجتمع، واعبر عن آرائي ضمن الإطار المسموح به... اليوم فقط، اصبح للخوف طعم آخر، تخيلت ان سيادة المقدم " مفتاح" يطلبني للتحقيق، ويسألني عند الكلام الذي قلته،.. كم تمنيت ان استعيد شريط تلك الدقائق التي قضيتها معهم بالثانية احللها واشرحها، لعلي أتأكد من انني لم اتجاوز الحدود،...وخمنت انني سوف اذهب " لدار خالتي" وأنهم ربما يعذبونني كذلك....
كنت اعمل بقاعدة " ما تدير شي، ما ايجيك شي"، وهي صحيحة بشكل كبير في ليبيا، او " ابعد عن الشر وغني له"، مع احتفاظي بعلاقته طيبة مع مختلف شرائح المجتمع، واعبر عن آرائي ضمن الإطار المسموح به... اليوم فقط، اصبح للخوف طعم آخر، تخيلت ان سيادة المقدم " مفتاح" يطلبني للتحقيق، ويسألني عند الكلام الذي قلته،.. كم تمنيت ان استعيد شريط تلك الدقائق التي قضيتها معهم بالثانية احللها واشرحها، لعلي أتأكد من انني لم اتجاوز الحدود،...وخمنت انني سوف اذهب " لدار خالتي" وأنهم ربما يعذبونني كذلك....
كم كنت أستهزئ في
" نفسي" عندما اسمع كلمة " الحرية"، خصوصا عندما تتعالى
الهتافات بها في اكبر تعبير على ان من يقوم بذلك، هو في الحقيقية يجسد أقسى وأمر
مظاهر العبودية، وهي تلك التي تجعل من العبد يجسد انعدام " الحرية"
لسيده. انا اكره " العبودية" ولا اعترف الا بالعبودية للرب والوالدين
والقانون، ماعدا ذلك بالنسبة ليّ " نسبي"
اقبل منه ما يتوافق وقناعتي فقط واترك ما عداه...
"حرب تشاد" كانت كارثة بالنسبة لليبيين، حرب مفتوحة، استنزفت ثروة البلاد المادية
والبشرية في قضية لم يكن الشعب على دراية او وعي كامل بأهدافها. كنت أردد في
" نفسي" لو ان ما قيمته مليار دينار فقط خصص لدولة تشاد، على ان تقوم
شركات ليبية باستغلال المبلغ في بناء مدارس في القرى التشادية ومرافق عامة، لغير
التشاديين " قبلتهم" من الشرق الى الشمال؟!..
تذكرت تلك الليلة زيارة ثلاثة عسكريين لنا في المدرسة " الإعدادية" يلبسون ملابس عسكرية أنيقة، ويشجعوننا على ترك مقاعد الدراسة والدخول في الجيش، حيث " البوزات" و " العلاوات" وفيما بعد " التفوشيك"...، ومنها الى التدريب العسكري العام والمقاومة الشعبية ايه ... لتحرير فلسطين!!
راح من راح، واستمرينا الى المدرسة الثانوية، فزادت الإغراءات وأصبحت " الدبورة" والضباط والسيارة " ٥٠٤" تجي آل، وفوق من ذلك " التطربيز" وجذب أنظار البنات في الثانويات ومعاهد المعلمات، وراح من راح، واستمرينا، وكأن ذلك لم يعد يكفي لانتزاع طلبة العلم من قلاع العلم وتعبئتهم في سرايا وكتائب والوية الى حتفهم في " تشاد، ولبنان، وأوغندا، وتونس، وموريتانيا، والسودان، وإيران، والساقية الحمراء ووادي الذهب، وإريتريا" حتى تظن ان " ليبيا" أصبحت تحظى بمقعد دائم في مجلس الأمن ولها حق الفيتو !!
فتحت الكليات، " العسكرية، والجوية، والبحرية، والدفاع الجوي، والهندسة العسكرية" وأجبر خريجي الثانوية على الالتحاق بها لبناء جيش قوي لا ليحمي " ليبيا"، بل ليكون وقودا لحروب يعجز المواطن البسيط عن فهم غاياتها... و لينتهي بهم الأجل بين فكي " تمساح" أوغندي او تردمه رمال الصحراء التشادية؟!!
............
تذكرت تلك الليلة زيارة ثلاثة عسكريين لنا في المدرسة " الإعدادية" يلبسون ملابس عسكرية أنيقة، ويشجعوننا على ترك مقاعد الدراسة والدخول في الجيش، حيث " البوزات" و " العلاوات" وفيما بعد " التفوشيك"...، ومنها الى التدريب العسكري العام والمقاومة الشعبية ايه ... لتحرير فلسطين!!
راح من راح، واستمرينا الى المدرسة الثانوية، فزادت الإغراءات وأصبحت " الدبورة" والضباط والسيارة " ٥٠٤" تجي آل، وفوق من ذلك " التطربيز" وجذب أنظار البنات في الثانويات ومعاهد المعلمات، وراح من راح، واستمرينا، وكأن ذلك لم يعد يكفي لانتزاع طلبة العلم من قلاع العلم وتعبئتهم في سرايا وكتائب والوية الى حتفهم في " تشاد، ولبنان، وأوغندا، وتونس، وموريتانيا، والسودان، وإيران، والساقية الحمراء ووادي الذهب، وإريتريا" حتى تظن ان " ليبيا" أصبحت تحظى بمقعد دائم في مجلس الأمن ولها حق الفيتو !!
فتحت الكليات، " العسكرية، والجوية، والبحرية، والدفاع الجوي، والهندسة العسكرية" وأجبر خريجي الثانوية على الالتحاق بها لبناء جيش قوي لا ليحمي " ليبيا"، بل ليكون وقودا لحروب يعجز المواطن البسيط عن فهم غاياتها... و لينتهي بهم الأجل بين فكي " تمساح" أوغندي او تردمه رمال الصحراء التشادية؟!!
............
تذكرت " صالح" ابن خالتي الذي هرب عشرات المرات من معسكر "
الدعوكي"، لأنهم ساقوه عنوة الى " التجييش" وهو رافضا له ولم يكثرت
بتعذيبهم ولا حبسهم ولا تهديدهم، فما ان يجد فرصة للهروب الا وكان محاولا إياها،
من الباب او على السور او حتى في سيارة الكناسة. كان يتلذذ ويفتخر بعدد المرات
التي هرب فيها، كتعبير عن الرفض لسياسة ظالمة وفاشلة دمرت دولة ومستقبل شعب، حباه
الله بالثروة، وينقص من يحكمه العقل والحكمة....
تذكرت " الشيابين" الذين اجبروا على الدخول الى معسكرات التدريب في المقاومة الشعبية، وكأننا نستنسخ تجربة " ماو" في دولة تعداد سكانها لا يتجاوز الثلاثة ملايين وعلى رقعة تفوق المليون ونصف كيلومتر مربع. وهؤلاء هم من قذف بهم في أتون حرب مستعره في بحيرات أوغندا ليفتحوا عيونهم في غاباتها وأشجارها وهم ابناء الصحراء الذين لا علم ولا دراية لهم بمثل تلك الأدغال الموحشة.
تحولت " ليبيا" كلها الى معسكر تدريب، وصرفت ميزانيات كبيرة على استيراد ترسانة أسلحة ضخمة تضاعفت أسعارها، والجزء الأكبر ذهب الى جيوب " المفسدين" الذين كان من الأحرى بهم ان يقولوا " لا"، لهذه السياسة الهوجاء التي ستدمر " ليبيا والليبيين". تغيرت كلمة " مدرسة" للعلم الى " ثكنة" للتدريب، واصبح الضابط المعلم والمدرب العسكري اهم من أستاذ الفيزياء والكيمياء والرياضيات، ولم يستثنى من ذلك ذكور ولا إناث، ولم تفلح " الرجل رجل والمرأة مرآة" في التفريق بيهم في هذه الطريق التي تسوقهم جميعا الى المصير الاسود.
............
ذلك الشيخ السبعيني " الحاج عبدالسلام" لا يمل ولا يكل وهو ينتقل من مكان الى مكان في مدينة سبها وقرى الجنوب، وهو يذكر الناس بالمصيبة الغير مسبوقة بإجبار طلبة المدارس والمعاهد على الذهاب بدون علم " أولياء أمرهم" وهم قصٌر الى الجبهات في حرب تشاد، " ضيعتوا صغارنا"، " حرام عليكم هذا ربي ما قالا"، " قولوا لا اله الا الله يا جماعة، عيب عليكم"، وقالوا عنه انه يعمل في الاستخبارات ويستدرج الناس حتى يتكلموا، وهو من اصدق واخلص من حملت الارض على ظهرها....
..........
تذكرت بنغازي والمقدم " احمد" معاون أمر اللواء، وهو يحدثني بحرقة ولوعة على الأوامر التي أتت اليه، " بجلب" من تطاله يده، المهم " بنادم" ليقذف به في أتون حرب خاسرة، وجيش مهزوم. فأمر بتوجيه الحافلة التي تنقل الجنود الى بيوتهم بتغيير مسارها الى المطار الى " تشاد"، ولكن " ما طاولته نفسه" فركب فيها معهم وما ان اشتموا رائحة " طبيخ يطبخُ" حتى انسلوا منها واحدا تلو الآخر وهو يفتح لهم الباب، ليصل المطار ويقول لهم انهم هربوا جميعا، وكان مستعدا ان " يعدم" في ذلك اليوم لمخالفته الأوامر العسكرية وقت الحرب....
هو وغيره الكثيرين من ضباط " الجيش" كانوا يمقتون هذه الحرب، ولكنه "الخوف" الذي احجمهم عن معارضتها بقوة كفيلة بمنعها او إيقافها، ومن فعل ذلك كان جزاءه معلوم لدى الجميع. انه ذات " الخوف" الذي قرر اليوم ان ينزل ضيفا ثقيلا عليّ.....
تذكرت " الشيابين" الذين اجبروا على الدخول الى معسكرات التدريب في المقاومة الشعبية، وكأننا نستنسخ تجربة " ماو" في دولة تعداد سكانها لا يتجاوز الثلاثة ملايين وعلى رقعة تفوق المليون ونصف كيلومتر مربع. وهؤلاء هم من قذف بهم في أتون حرب مستعره في بحيرات أوغندا ليفتحوا عيونهم في غاباتها وأشجارها وهم ابناء الصحراء الذين لا علم ولا دراية لهم بمثل تلك الأدغال الموحشة.
تحولت " ليبيا" كلها الى معسكر تدريب، وصرفت ميزانيات كبيرة على استيراد ترسانة أسلحة ضخمة تضاعفت أسعارها، والجزء الأكبر ذهب الى جيوب " المفسدين" الذين كان من الأحرى بهم ان يقولوا " لا"، لهذه السياسة الهوجاء التي ستدمر " ليبيا والليبيين". تغيرت كلمة " مدرسة" للعلم الى " ثكنة" للتدريب، واصبح الضابط المعلم والمدرب العسكري اهم من أستاذ الفيزياء والكيمياء والرياضيات، ولم يستثنى من ذلك ذكور ولا إناث، ولم تفلح " الرجل رجل والمرأة مرآة" في التفريق بيهم في هذه الطريق التي تسوقهم جميعا الى المصير الاسود.
............
ذلك الشيخ السبعيني " الحاج عبدالسلام" لا يمل ولا يكل وهو ينتقل من مكان الى مكان في مدينة سبها وقرى الجنوب، وهو يذكر الناس بالمصيبة الغير مسبوقة بإجبار طلبة المدارس والمعاهد على الذهاب بدون علم " أولياء أمرهم" وهم قصٌر الى الجبهات في حرب تشاد، " ضيعتوا صغارنا"، " حرام عليكم هذا ربي ما قالا"، " قولوا لا اله الا الله يا جماعة، عيب عليكم"، وقالوا عنه انه يعمل في الاستخبارات ويستدرج الناس حتى يتكلموا، وهو من اصدق واخلص من حملت الارض على ظهرها....
..........
تذكرت بنغازي والمقدم " احمد" معاون أمر اللواء، وهو يحدثني بحرقة ولوعة على الأوامر التي أتت اليه، " بجلب" من تطاله يده، المهم " بنادم" ليقذف به في أتون حرب خاسرة، وجيش مهزوم. فأمر بتوجيه الحافلة التي تنقل الجنود الى بيوتهم بتغيير مسارها الى المطار الى " تشاد"، ولكن " ما طاولته نفسه" فركب فيها معهم وما ان اشتموا رائحة " طبيخ يطبخُ" حتى انسلوا منها واحدا تلو الآخر وهو يفتح لهم الباب، ليصل المطار ويقول لهم انهم هربوا جميعا، وكان مستعدا ان " يعدم" في ذلك اليوم لمخالفته الأوامر العسكرية وقت الحرب....
هو وغيره الكثيرين من ضباط " الجيش" كانوا يمقتون هذه الحرب، ولكنه "الخوف" الذي احجمهم عن معارضتها بقوة كفيلة بمنعها او إيقافها، ومن فعل ذلك كان جزاءه معلوم لدى الجميع. انه ذات " الخوف" الذي قرر اليوم ان ينزل ضيفا ثقيلا عليّ.....
مرت بي كل هذه
الذكريات، وانا أصارع " الأرق"
وربما القلق الذي أصابني، وقررت ان اقاوم بذرة " الخوف" من ان تنبت في نفسي " فقاطع الرأس خالقه"، " ولن
يصيبنا الا ما كتب الله لنا"، وعاهدت نفسي ان أكون مخلصا لله وللوطن "
ليبيا" ما حييت، ولعبد الرحمن ذو السبعة عشر عاما الذي كان آخر مريض في
العيادة هذا المساء، وقام بما يعجز عنه الكثيرين
حكاوي "
بنينه" ( 14)
" الشجاعة والإقدام و
النذالة والأحجام"
هذه "
ليبيا" لمن لا يعرفها، تجمع النقيضين دائماً وفي ذات الوقت:
الاستعمار ومقاومة
الاستعمار، ملك زاهد في الحكم وثورة عليه بمن يريد الحكم ويصبح " ملك
ملوك"، البحر المتوسط وبحر الرمال، لا انهار والنهر الصناعي العظيم، اثار
رومانية لا تجدها في روما ولا أثر حتى للاضرحة بعد نسفها، داعية سلام في "
الفليبين" و تقود الحرب في " تشاد"، تسقط الطائرات وتعوض الضحايا،
تحارب في كل مكان ولا تعترف بالشهداء او تكرمهم بدفن يليق بهم، تدعو للوحدة
الافريقية وتصفهم " للخواص" انهم " عبيد"، مليون حافظ ونصف
مليون يقاتلون بعضهم، .....
دخل العيادة وهو يمشي
مشي "الاقبج"، لا يضح حمله على رجله اليمنى ووجهه يحمل براءة الطفولة
و
" شعر الزغب" ظاهر
عليه، اذ كان واضحا ان لم يبلغ ويحلق شعره من قبل. صوته فيه وهج الشباب اليافع
ويحمل صدق فطري كمن لم يتلوث من قبل. ... تفضل،.. تفضل اجلس...
مساء الخير دكتور .... مساء النور
كيف حالك؟!..
الحمد لله دكتور، انا الحمد لله حالي باهي،... أحسن ياسر من قبل ...
ما اسمك؟
اسمي عبد الرحماان،..
كم عمرك يا عبدالرحمن؟
انا عمري سبعطاش .... سبعطاشن عام كملتهن في الأسبوع اللي فات ...
كان واضحا انه يعاني من الم في رجله اليمنى، فطلبت منه ان ينزع حذاءه، ثم قررت ان أساعده في ذلك وبدأت في فك الخيط الطويل الذي ربط به حذائه العسكري، وسهلت تمرير الخيط من ثقوب الحذاء على مهل حتى أخفف عنه الألم، وما ان انفك الرباط وبرز الجورب حتى انبعثت رائحة تنبئ بانه لم يغير هذا الحذاء لمدة طويلة،....
سألته، ليك مده وانت لابس الحذاء يا عبدالرحمن؟!... ايه ايه يا دكتور ثلاثة ايام ... نرقد بيه ونوض بيه،... ما فيه راحه يا دكتور ... جري في جري .........
حاولت نزع الجورب، ولكن التصاقه بالاصبع الكبير في رجله اثار شيء من الألم عنده، ... هنا طلبت من " بنينه" ان يأتي بمحلول تنظيف، ثم سكبت منه على الرجل والجورب، حتى تترطب ويسهل نزع الجورب والكشف على الرجل ....
تركته لفترة من الوقت، الذي استغلته في معرفة قصة عبدالرحمن... وهنا بدأت اثار الدرس القاسي الذي تعلمته من " امراجع" وكأني انظر الى رجله التي هشمها الرصاص؟
امنين انت يا عبدالرحمن ؟ ... انا من " المحاميد" من سبها يا دكتور،.. أه من سبها،.. حتى انا من سبها يا عبدالرحمن.....،. ظهرت عليه فرحه وكأنه يرى احدا من أقاربه، وهنا سالت الدموع غزيرة من عيونه وكانها سيل منهمر...
لم اشعر الا وانا احضنه بحرارة والدموع تملاء عيني، من رهبة الموقف وانا ارى طفل او شاب يافع يبكي وكأنه يفتقد أهله،.... أخفيت راسي وراء راسه حتى لا يرى الدموع في عيوني، وعلى عجل تظاهرت انني ابحث عن دواء في احد الارفف، لعلي اختلي وامسح دموعي ..... آه ما أقسى الحروب وما أنكر ما يفعله دعاتها وهم لا يرون حقيقتها وعمق مآسيها.
جاء " بنينه" نحوي،.. ارتاح ارتاح يا دكتور انا نجيب الدواء، انا نجيب الدواء ... و ظننت انه لم يلمح اثر الدمع في عيوني...كنت حريصا ان أكون قوي ومتماسك امام الناس....
على هون أزلت الجورب، وعرفت انه يعاني من " ظفر أصبع القدم الناشب"، وبدأت في تنظيف الجرح ثم حقنت مخدرا موضعي جعل من عبدالرحمن " يضحك" بشكل ظاهر،.. انا يا دكتور ما ضحكت من مدة، كان يوجع فيا ياسر ياسر لكن ما قدرت نقول لحد،.. كلهم خائفين ويبكو وايعيطو،.. ما قدرت نخلي حد منهم،... ولا واحد...
... اخرجت عدة الجراحة الصغيرة وواصلت عملي لمعالجة الظفر، وطلبت منه ان يحكي القصة كاملة ....
مساء الخير دكتور .... مساء النور
كيف حالك؟!..
الحمد لله دكتور، انا الحمد لله حالي باهي،... أحسن ياسر من قبل ...
ما اسمك؟
اسمي عبد الرحماان،..
كم عمرك يا عبدالرحمن؟
انا عمري سبعطاش .... سبعطاشن عام كملتهن في الأسبوع اللي فات ...
كان واضحا انه يعاني من الم في رجله اليمنى، فطلبت منه ان ينزع حذاءه، ثم قررت ان أساعده في ذلك وبدأت في فك الخيط الطويل الذي ربط به حذائه العسكري، وسهلت تمرير الخيط من ثقوب الحذاء على مهل حتى أخفف عنه الألم، وما ان انفك الرباط وبرز الجورب حتى انبعثت رائحة تنبئ بانه لم يغير هذا الحذاء لمدة طويلة،....
سألته، ليك مده وانت لابس الحذاء يا عبدالرحمن؟!... ايه ايه يا دكتور ثلاثة ايام ... نرقد بيه ونوض بيه،... ما فيه راحه يا دكتور ... جري في جري .........
حاولت نزع الجورب، ولكن التصاقه بالاصبع الكبير في رجله اثار شيء من الألم عنده، ... هنا طلبت من " بنينه" ان يأتي بمحلول تنظيف، ثم سكبت منه على الرجل والجورب، حتى تترطب ويسهل نزع الجورب والكشف على الرجل ....
تركته لفترة من الوقت، الذي استغلته في معرفة قصة عبدالرحمن... وهنا بدأت اثار الدرس القاسي الذي تعلمته من " امراجع" وكأني انظر الى رجله التي هشمها الرصاص؟
امنين انت يا عبدالرحمن ؟ ... انا من " المحاميد" من سبها يا دكتور،.. أه من سبها،.. حتى انا من سبها يا عبدالرحمن.....،. ظهرت عليه فرحه وكأنه يرى احدا من أقاربه، وهنا سالت الدموع غزيرة من عيونه وكانها سيل منهمر...
لم اشعر الا وانا احضنه بحرارة والدموع تملاء عيني، من رهبة الموقف وانا ارى طفل او شاب يافع يبكي وكأنه يفتقد أهله،.... أخفيت راسي وراء راسه حتى لا يرى الدموع في عيوني، وعلى عجل تظاهرت انني ابحث عن دواء في احد الارفف، لعلي اختلي وامسح دموعي ..... آه ما أقسى الحروب وما أنكر ما يفعله دعاتها وهم لا يرون حقيقتها وعمق مآسيها.
جاء " بنينه" نحوي،.. ارتاح ارتاح يا دكتور انا نجيب الدواء، انا نجيب الدواء ... و ظننت انه لم يلمح اثر الدمع في عيوني...كنت حريصا ان أكون قوي ومتماسك امام الناس....
على هون أزلت الجورب، وعرفت انه يعاني من " ظفر أصبع القدم الناشب"، وبدأت في تنظيف الجرح ثم حقنت مخدرا موضعي جعل من عبدالرحمن " يضحك" بشكل ظاهر،.. انا يا دكتور ما ضحكت من مدة، كان يوجع فيا ياسر ياسر لكن ما قدرت نقول لحد،.. كلهم خائفين ويبكو وايعيطو،.. ما قدرت نخلي حد منهم،... ولا واحد...
... اخرجت عدة الجراحة الصغيرة وواصلت عملي لمعالجة الظفر، وطلبت منه ان يحكي القصة كاملة ....
يا دكتور ... امنين
تبي نبدأ،.. انا خليت " كتبي" في الفصل في المدرسة،... جو جماعة الجيش اركب .. اركب،.. اركبنا...... برا برا ... برا برا ،..
لين لقينا روحنا في المطار؟!!.. وين ماشين بينا ... وين؟!...
طارت الطيارة،.. واحنا ننشدوا، ولا حد سايل فينا، لين حطت الطيارة .... لقينا روحنا في الصحراء وسيارات جيش،.. احنا وين.. احنا وين... سمعتهم يقولوا انهم في " قاعدة وادي الدوم" .... حالة يا دكتور ... والله حالة،.. وانا نقول كيف حال أمي ، كيف حال أمي،... انا " باتي" ميت وخوتي من بيهم؟!!......
يا دكتور القيناها دنيا حايسه،.. ما فيه حد عارف حاجة،.. وكل واحد خائف .... ويقولوا ان التشاديين جونا التشاديين جونا، اللي في " وادي الناموس" قدام كلهم قتلوهم ....
المهم يا دكتور،.. بعد يومين كلها هربت، .. وانا ألقيت سيارة تويوتا " جديدة" مسيبنها الجماعة، ركبت وحتى انا قلت نهرب كيفهم، ما فيه قيادة لا حتتتتتى حاجة...
... بعدين كل من نمشي شوي نلقى جماعة يجروا على كرعيهم، ومن بعيد يعيطوا ويرفعوا في أيدهم حتى هم هاربين،... نمشيلهم،.. ونركبهم،.. ما نقولك يا دكتور، في الاول قريب "ياكلوني"، بارك الله فيك " لولاك" راه قتلونا التشاديين،.. ونمشوا شوي نلقوا وحدين ثانيين يعيطوا ويرفعوا في أيدهم نمشيلهم،... اللي معاي في السيارة يقولولي " خليهم"، راه السيارة لما تثقل تغرق و " نريحوا" فيها كلنا،... قلتلهم والله والله والله " ثلاث" ماني مخلي فيها واحد..... يا تعيشوا كلكم.... يا تموتوا كلكم،... عندي حق وإلا لا يا دكتور؟!! ... والله ما تنكتب عليّ خليت ليبي في الصحراء؟!!...........
المهم يا دكتور... هاذيك " التويوتا" ما تقول ترفعهم،... جينا فيها "خمسة وأربعين" وانا السادس وأربعين وتكه تكه.. تكه تكه لين وصلت بيهم هنا ..... وهذا الحكاية يا دكتور..... انا خيرني ما عاد انحس في صبعي يا دكتور....
لا يهمك، ولا تخاف يا عبدالرحمن ، هذا" البنج"، اربع الى خمس ساعات وينتهي مفعوله،... وهاذيم " الحبوب" خودهن كل ثمان ساعات ، وغدوه... تعال " حكار" هالوقت نعمل غيار للجرح....
..........
طارت الطيارة،.. واحنا ننشدوا، ولا حد سايل فينا، لين حطت الطيارة .... لقينا روحنا في الصحراء وسيارات جيش،.. احنا وين.. احنا وين... سمعتهم يقولوا انهم في " قاعدة وادي الدوم" .... حالة يا دكتور ... والله حالة،.. وانا نقول كيف حال أمي ، كيف حال أمي،... انا " باتي" ميت وخوتي من بيهم؟!!......
يا دكتور القيناها دنيا حايسه،.. ما فيه حد عارف حاجة،.. وكل واحد خائف .... ويقولوا ان التشاديين جونا التشاديين جونا، اللي في " وادي الناموس" قدام كلهم قتلوهم ....
المهم يا دكتور،.. بعد يومين كلها هربت، .. وانا ألقيت سيارة تويوتا " جديدة" مسيبنها الجماعة، ركبت وحتى انا قلت نهرب كيفهم، ما فيه قيادة لا حتتتتتى حاجة...
... بعدين كل من نمشي شوي نلقى جماعة يجروا على كرعيهم، ومن بعيد يعيطوا ويرفعوا في أيدهم حتى هم هاربين،... نمشيلهم،.. ونركبهم،.. ما نقولك يا دكتور، في الاول قريب "ياكلوني"، بارك الله فيك " لولاك" راه قتلونا التشاديين،.. ونمشوا شوي نلقوا وحدين ثانيين يعيطوا ويرفعوا في أيدهم نمشيلهم،... اللي معاي في السيارة يقولولي " خليهم"، راه السيارة لما تثقل تغرق و " نريحوا" فيها كلنا،... قلتلهم والله والله والله " ثلاث" ماني مخلي فيها واحد..... يا تعيشوا كلكم.... يا تموتوا كلكم،... عندي حق وإلا لا يا دكتور؟!! ... والله ما تنكتب عليّ خليت ليبي في الصحراء؟!!...........
المهم يا دكتور... هاذيك " التويوتا" ما تقول ترفعهم،... جينا فيها "خمسة وأربعين" وانا السادس وأربعين وتكه تكه.. تكه تكه لين وصلت بيهم هنا ..... وهذا الحكاية يا دكتور..... انا خيرني ما عاد انحس في صبعي يا دكتور....
لا يهمك، ولا تخاف يا عبدالرحمن ، هذا" البنج"، اربع الى خمس ساعات وينتهي مفعوله،... وهاذيم " الحبوب" خودهن كل ثمان ساعات ، وغدوه... تعال " حكار" هالوقت نعمل غيار للجرح....
..........
كيف يستقيم هذا مع ما
سمعته من صديقي دكتور "عبدالقادر" الطبيب في العيادة الطبية في "
وادي الدوم" الذي شهد الأحداث المأساوية للهزيمة، ويرى رفيقة الدكتور " عبدالسلام ابراهيم" يقتل فيها، ثم ينفذ بجلده في سيارة مع آخرين،
وحين غرقت في رمال الصحراء التشادية ونزلوا لإخراجها من الغرق و "
دفها"، لينطلق بها السائق منفردا وتاركا لهم الى مصير مجهول وهم بين الحياة
والموت؟!.......
هذا الموقف ترك اثاره على " عبدالقادر" وغيره طوال حياتهم، ولكن " ماكينة النفاق" ضلت في دورانها، تهلل وتكبر بالنصر المبين في بطولات وهمية و " قيادة أممية"..
هذا الموقف ترك اثاره على " عبدالقادر" وغيره طوال حياتهم، ولكن " ماكينة النفاق" ضلت في دورانها، تهلل وتكبر بالنصر المبين في بطولات وهمية و " قيادة أممية"..
ايه يا دنيا،... فقبل
قدومي الى " السارة" ما كنت لاصدق مثل هذه الحكاية وهي "
الحقيقة" بلا غبار او رتوش، الظلم في أشنع صورة على الأطفال والقصر، عدم
إبلاغ أهاليهم وانتزاعهم من فصولهم الدراسية، رميهم في أتون حرب بدون تدريب او
أعداد ملائم، إهدار ثروات الشعب بهذا الشكل المؤلم،.ووووووو
ولكن يكفي انني سمعت
هذا بأذني ورأيت في " ليبيا"
الوجه الجميل " عبدالرحماااان" الذي
يحاولون ان يعبثوا به.....،هنا وقف بجانبي " بنينه" وقال والله يا دكتور
حتى انا ما قدرت أنشد روحي بكيت،.. كيفك؟!...
عطك دعوا يا " بنينه" ما يفوت عليك شي؟!..
عطك دعوا يا " بنينه" ما يفوت عليك شي؟!..
حكاوي "
بنينه" ( 15)
" وادي الناموس"
محور على محور وزيد
محاور :: الجيش هارب والرصاص يناور
طوال اليوم لم تغب
عني صورة " عبدالرحمن" ووجهه الطفولي البريء، والأمور تسير على ما يرام
في العيادة، ماعدا مريض واحد جاء بأعراض مرض لم أتعرف على تشخيصه ظهر على جلده طفح
مصحوب بحمرة وتقشر، بالاضافة الى تشققات في الجلد وبعض الصديد، غطت البطن والظهر
والأطراف. بدلت وسعي بدهانه بما لدي من مراهم ووصفت له مضاد حيوي وحبوب اخرى ضد
الحساسية، وطلبت منه ان يأتي في صباح اليوم التالي. كما وجدت حالتين أخريين احدهم
عليه علامات " الصفير" او ربما الالتهاب الكبدي وآخر عنده نزيف شرجي
قررت ان احيل كليما الى العلاج العاجل في طرابلس..... وقمت بتعبئة النماذج المعدة
لذلك.......
......
في المساء وفي نفس
الموعد عاد عبدالرحمن، ويظهر عليه من مشيته انه أحسن حالا، فكان معتدلا في السير
ويطأ الارض بيسر، ومعه شاب آخر.... تفضل يا عبدالرحمن،... كيف حالك اليوم؟!...
الحمد لله دكتور أحسن ياسر... الحمد لله....
انا جيت وجبت معاي
" مصطفى"،.... يا دكتور حتى هو كرعيه صايره فيهم حاله ...." بلاقيش"
حاشاك يا دكتور، ويصبن في الدم.... " مصطفى هذا آخر واحد ركب معانا في
السيارة، يعني رقم خمسة وأربعين ،... والحمد لله ربي نجاه يا دكتور......
أهلين أهلين يا
مصطفى، الحمد لله على سلامتك، تفضل اجلس وانا احضر كرسي آخر أمامي. امنين انت يا
مصطفى ؟.... انا اسمي مصطفى الشلماني، من " المرج" يا دكتور،... تعرف
المرج يا دكتور؟!....
كيف لا يا مصطفى وفيه
حد ما يعرف " المرج"،.. نعرف المرج كويس،... من الزلزال وتعال جاي؟!!...
ظهرت علامة الرضا
والاستغراب على مصطفى، فما انت ذكرت له " الزلزال" حتى يبدو انه تيقن من
اني " مرجاوي" ولابد من ان أكون شربت من " اميتها" .....
هنا، طلبت من "
بنينه" ان يتولى ازالة الغيار عن رجل " عبدالرحمن"، واستمريت في
حالة " مصطفى"،... بسم الله ..بسم الله،.. هات رجلك،.. هنا بالشوي مشيرا
اليه ان يضعها على " بلكه" نستخدمها كركابه للفحص المنخفض.... أزلت
الجوارب وظهرت التقرحات التي بدت انها ناجمة من المشي حافي القدمين على تربة
ساخة.... لابد انك ماشي على " الوطا" بدون حذاء يا " مصطفى"
؟!،... والله صح يا دكتور،... بس كيف عرفت؟!!.
ضحكت ، وقلت له هذه
واضحة " يعنى ما تبيش فقي"،.. .. كيف صار،.. احكي لي ؟!.
ايه.. يا دكتور
" طلعت من عينها" وما نجيت الا بقدرة ربي، لوكان هضا راني عديت فيها،
كيف واااجدين!!..
نا بيدي يا دكتور،..
في محور " وادي الناموس" وعملي في المخابرة، ومع الآمر،.. معاه في عربة
" بي ام بي"،.. وقول يل سيدي المحور الاول انهزموا أمس وخشوا عليهم التشاديين،..
قالونا احنا نكونوا محور ثاني ونهجموا عليهم من جديد .... وأجمعوا سيارات ودبابات
وجراد وشي ياسر مالا حد،.... والآمر الرائد " محمود الزروق" ،.. هو اللي
يقود،... الرائد " محمود الزروق" نشهد بالله انه راجل وشجاع،...قال
تحركوا،.. ما تقعدوش في مكانكم،.. يعرفوكم التشادية ويهدو عليكم وأنتم راقدين!!.
وصلنا قول قيس الساعة
واحد.. واحد ونص في الليل، ومو غابيك التعب،.. كل واحد خدا مكانه وبترقد
الجماعة،... قول ارقدو،.. لكن الرائد " محمود الزروق" ما رقدش وقعد يبرم
ويشوف،... لين لقي " جُرة بلّ" ،.. قال راكم اتخذتوا يا جماعة،.. وعطا
أمر ان نتحركوا الى موقع ثاني،...
تحركت الآليات
والحوسة،.. وصلنا قيس الساعة ثلاثة، او الثلاثة ونص، طايبين عاد،... لمها كلها
وقال؛ يا جماعة أنتم اليوم راكم تدافعوا على أرواحكم،.. الوقت ليل وما عندنا
معلومات وين قاعدين التشادية،... ردو بالكم،... ردو بالكم ،... ولا واحد يضرب
طلقة،.. حتى وحده ممنوع الا بالأوامر.. راه الموضوع خطير ،.. أقفوا مع بعضكم،...
وما تخلوا بعضكم ،... وعيا يحكي لين بطل .....
الجماعة تعبانه،...
رقدت،.. ومع قيس الستة ونص بعد الفجر نسمعوا في صوت الرصاص،.. تاريته واحد من
الفصائل حقوا " حمار" حشاك رموا عليه،... عرفوا مكانا التشادية،.. وهدوا
علينا،... سياراتهم كلها " تويوتا" على الخفيف،.. ومع اول اطلاقتين،..
هربوا جماعتنا،.. هربوا... عيني عينك....
كان فيه تخطيط،
الدبابات القدام والجراد من وراء يرمي قدامهن و " بي ام بي" تحرك في الوسط،..
انا مع الآمر،.. وحقيت الجراد هارب،... والدبابات فيهن الرقع،... كل وحده تنضرب من
تحق الا النار راكبا فيها،..
الرائد " محمود
الزروق" يتكلم في الجهاز ويقولهم ما تهربوش،.. تضيعوا كلكم،.. ما فيش حد
يسمع،.. وكلها هربت،... كلمني وكلم السواق وقال امشي بسرعة وفوتهم كلهم اللي
هاربين، وبعد فتنا،.. طلع راسه من " بي ام بي" وقعد يؤشر بيديه ويقول؛
ارجعوا،.. ارجعوا... ما رجع حد......
رد على السواق، وقال
اعكس الاتجاه،.. وقدمنا برواحنا ما معنا حد،.. وهو قال مان نخلي الدبابات يسحقوهن
بلا حماية،.. مشينا شوي،... التفتت،.. حقيت الرائد محمود متكئ على السواق،.. ظنيتا
يحكي معاه،.. ثانية وإلا اثنين نسمع في السواق ايعيط ويقول قذيفة نزلت في
العربة،.. اطلعوا منها،.. اطلعوا منها .... يالله لحقت طلعت،.. وانا نجري كيف جري
" الحلم" ،.. كم خطوة وبعدين تقربعت، ومات فيها الرائد " محمود الزروق"،
... الله يرحمه ويسامحه،... راجل شجاع ومقدام،.. لكن .......سكت برهة وبدا يبكي
" والله يا دكتور راجل حرام فيه الموت"،.. هي كنها الموت ما تاخد الا في
الباهي".....
....كمل يا مصطفى،..
كيف نجيت انت ؟!..
قدرة ربي،.. والله
الا التشادية يحقوا فينا بعيونهم، وكان يبو يقتلونا،... ما رد منا واحد......
واجعني كل اللي
ماتوا،... لكن الرائد " محمود" بزايد،... هو من الجنوب يا دكتور ،.. راه
في الصاعقة !!
هنا سألته؛ الرائد
" محمود الزروق الرشيد"،... ايوه هو .... وسالت من عيني دمعة" لم
اعرف هل حرقة او غضب ام سخط!!!
ايه يا مصطفى،.. كيف
لا اعرفه،... هو من " أشكده" في وادي الشاطئ، وأخيه صديق عزيز عليّ ....
رحمة الله عليك يا محمود،... لعنة الله على هذه الحرب القذرة التي أكلت افضل رجال
" ليبيا"، ولم يلقوا حتى اعتراف بهم ممن دفعهم في اتونها، ....
الرائد "
محمود" كان محبوباً من جنوده ومعارفه، ففي " السارة" كانت المزرعة
مكانه المفضل، وحرص على تنميتها وزرعها بما يعطي المكان شيء من الخضرة تفرج على
العساكر قساوة الصحراء وجحيم الحرب.
.........
منذ ذلك اليوم وانا
اكره كلمة " محور" و " محاور"، ولا اتخيلها الا محاور من
النار تحرق الناس، وما حدث بعد ذلك لم يغير من قناعتي في هذه المحاور التي تُجمع
على عجل وبدون خطة ولا هدف، ولا حساب للفوائد والأضرار من هذه الأفعال التي تكلف
أرواح غالية وعزيزة، دفنت تحد رمال الصحراء ....
...........
عالجت الجروح التي
كانت في رجلي " مصطفى"،.. ولا ادري ان كان الزمن قادر على معالجة جراحه
النفسية، وآثارها الطويلة....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق